الغير
تقديم:أصول الإشكال
يرجع بنا تأسيس مفهوم الغير، في صورته الأولية، إلى الفلسفة اليونانية التي كانت فلسفة يغلب عليها الطابع الأنطولوجي في تحديد مفهوم الغير..، فكان مفهوم الهوهو هو المعيار المسيطر على الفكر اليوناني في تحديد كل كينونة أو تميزها عن غيرها، وسيصوغ أرسطو هذا المفهوم صياغة منطقية في شكل مبدأ الهوية (أو الذاتية). ومعنى ذلك: إما أن يكون الشيء هو هو، وإما أن يكون مخالفا لذلك. فهو بالنسبة إلى كينونته هوهو، وبالقياس إلى الغير مخالف له.. وهذا يفسر قيام الفلسفة اليونانية على كثير من التقابلات : كاللوغوس في مقابل الميتوس/ الإثبات في مقابل النفي/ البارد في مقابل الساخن (الحار)/ الإنساني في مقابل الإلهي/ ...الخ .ولما كان الفكر الفلسفي اليوناني يقوم على نوع من النزعة القومية (اليونان في مقابل الشعوب الأخرى) ؛ فإن إشكالية الغير كأنا متميزة عن الأنا الفردية لم تظهر إلا مع الفلسفة الحديثة.
فكان ديكارت أول فيلسوف حاول إقامة مفارقة بين الأنا الفردية الواعية وبين الغير ؛ حيث أراد ديكارت لنفسه أن يعيش عزلة إبستيمية، رافضا كل استعانة بالغير في أثناء عملية الشك. فرفض الموروث من المعارف، واعتمد على إمكاناته الذاتية، لأنه يريد أن يصل إلى ذلك اليقين العقلي الذي يتصف بالبداهة والوضوح والتميز... فوجود الغير في إدراك الحقيقة ليس وجودا ضروريا، ومن ثمة يمكن أن نقول : إن تجربة الشك التي عاشها ديكارت تمت من خلال إقصاء الغير... والاعتراف بالغير لا يأتي إلا من خلال قوة الحكم العقلي حيث يكون وجود الغير وجودا استدلاليا... وهذا ما يجعل البعض يعتقد بأن التصور الديكارتي يقترب من مذهب الأنا وحدي Le Solipsisme .
وقد تجاوز هيجل هذا الشعور السلبي بوجود الغير، لأنه رأى أن الذات حينما تنغمس في الحياة لا يكون وعيها وعيا للذات، وإنما نظرة إلى الذات باعتبارها عضوية. فوعي الذات لنفسها ـ في اعتقاد هيجل ـ يكون من خلال اعتراف الغير بها. وهذه عملية مزدوجة يقوم بها الغير كما تقوم بها الذات. واعتراف أحد الطرفين بالآخر لابد أن ينتزع. هكذا تدخل الأنا في صراع حتى الموت مع الغير، وتستمر العلاقة بينهما في إطار جدلية العبد والسيد. هكذا يكون وجود الغير بالنسبة إلى الذات وجودا ضروريا..
مما سبق يظهر التناقض الحاصل بين التمثلين الديكارتي والهيجلي ؛ ففي الوقت الذي يقصي فيه ديكارت وجود الغير، يعتبره هيجل وجودا ضروريا. وهذا يتولد عنه السؤال التالي:هل وجود الغير ضروري أم غير ضروري ؟
المحور الأول:وجود الغير
الآخر بوجه عام هو كل ما سوى أنا أما الغير فهو الآخر من الناس أي الأنا الآخر منظورا إليه ليس بوصفه موضوعا بل بوصفه أنا وينتج عن هذه الدلالة الفلسفية أن الغير هو في نفس الوقت آخر وليس آخر مخالف أو مطابق,أنا ليس أنا و آخر مثلي.
تعتبر إشكالية الغير إشكالية فلسفية حديثة تقع بدايتها في التحديد في فلسفة هيغل ونعود من حيث الموقف الفلسفي الذي نشأت ضده إلى فلسفة الذات أو الأنا عند ديكارت ففي المقابل الذي اعتبر فيه ديكارت أن وجود الغير مجرد وجود افتراضي واستدلالي وقابل للشك .نجد هيغل يؤكد على أن وعي الذات لذاتها لا يمكن أن يتم عبر الغير .فهل وجود الغير إذن ضروري أم غير ضروري؟كيف يتحقق وجوده؟وهل يمكن أن أشكل معرفة عن الغير ؟وإذا أمكن ما الذي يمكن معرفته فيه وأخيرا ما طبيعة العلاقة التي تربطني به هل هي علاقة التقاء و تواصل ’أم أنها علاقة غرابة و إقصاء؟
الآخر بوجه عام هو كل ما سوى أنا أما الغير فهو الآخر من الناس أي الأنا الآخر منظورا إليه ليس بوصفه موضوعا بل بوصفه أنا وينتج عن هذه الدلالة الفلسفية أن الغير هو في نفس الوقت آخر وليس آخر مخالف أو مطابق,أنا ليس أنا و آخر مثلي.
تعتبر إشكالية الغير إشكالية فلسفية حديثة تقع بدايتها في التحديد في فلسفة هيغل ونعود من حيث الموقف الفلسفي الذي نشأت ضده إلى فلسفة الذات أو الأنا عند ديكارت ففي المقابل الذي اعتبر فيه ديكارت أن وجود الغير مجرد وجود افتراضي واستدلالي وقابل للشك .نجد هيغل يؤكد على أن وعي الذات لذاتها لا يمكن أن يتم عبر الغير .فهل وجود الغير إذن ضروري أم غير ضروري؟كيف يتحقق وجوده؟وهل يمكن أن أشكل معرفة عن الغير ؟وإذا أمكن ما الذي يمكن معرفته فيه وأخيرا ما طبيعة العلاقة التي تربطني به هل هي علاقة التقاء و تواصل ’أم أنها علاقة غرابة و إقصاء؟
للإجابة على هذا الإشكال ينطلق سارتر من إثبات أن الغير يوجد وجودا مزدوجا يتمثل الوجود باعتباره شرطا لإدراك ذاتي ووسيطا يحول بيني وبين نفسي فأنا أنطلق من الآخر لأشعر و أتحقق من وجودي ويمثل لذلك بالخجل المتولد عن نظر الأخر نحوي فأنا أشعر بالخجل عندما أتبدى للغير فظهور الغير يصبح بمقدور الأنا أن تصدر أحكاما على نفسها كما يصدرها على باقي الموضوعات فأنا في حاجة إلى الغير لأدرك إدراكا كاملا كل بنيات وجودي إلا أن الوجود الذي يحققه الغير باعتباره وجودا إيجابيا يعكس بالمقابل في نفس وضعية الخجل فإذا كان الخجل دليلا على وعي بوجودي فإنه في المقابل يثبت حقيقة نظرة الغير اتجاهي بحكم طبيعتي كذات حرة ومسؤولة فالغير حينما يثبت وجوده فإنه يحد من حريتي ويمكن أن أحس بالضيق والغضب إزاء هذه النظرة وأنا حينما أعتبره وسيطا في معرفة ذاتي فإنه يباشرني باعتباري موضوعا أي أن إخضاع الغير لي للمعرفة أو لنشاط الأنا أفكر فإنه يتضمن سلب معاني الذات والأنا والإرادة والحرية وبذلك فوجود الغير يحمل ازدواجا لأنه يفقد الأنا مقوماتها كوعي وحرية ونفس الشيء يصدر عن الأنا في علاقته بالغير .إذ أن كلا منهما يشيئ الآخر ويلاقيه كذات ويقتل حريته.
هذه الأطروحة التي تؤكد وجود الغير وأهميته بالنسبة للأنا سيطورها هوسرل الذي سيعمل على قلب الكوجيطو الديكارتية"أنا أفكر إذن أنا موجود"إلى قوله" عندما أفكر فأنا أفكر في شيء ما " إذ لاينفي هوسرل خاصية العقل الإنسانية إلا أنه عندما أفكر فإني لاأفكر في فراغ فعملية التفكير تقتضي حضور أنا آخر أي غير باعتباره ذاتا يوجد في العالم كباقي الموجودات فأدركه عن طريق سلسلة التجارب المتغيرة والمنسجمة التي تتمثل في إدراكي للعالم تجربة العالم وفي تعالقها بالغير تجربة الآخرين وبهذا فإن وجود الغير يتحقق باعتباره ذاتا تختزل تجربته وتجربة العالم وتجارب الآخرين الذين يشملهم هذا العلم وعندما أفكر فإنني أفكر في العالم بما يشملهم من ذوات وما يتمثله من الآخرين من تجارب كما أدرك باقي الموضوعات
إن هذا التصور الأمبريقي (الذي يمتلك بالتجربة المباشرة)سيعمد ميرلوبونتي إلى تطويره مستندا على نقد مثال النظرة الذي يعمده سارتر في عرض موقفه لأن نضرة الغير في نظره لاتحولني إلى موضوع كما لاتحوله نظرتي إلى موضوع إلا إذا انسحب كل واحد إلى طبيعته المفكرة وجعلنا نظرة بعضنا البعض لا إنسانية وأنه إذا شعر كل واحد منا بأن أفعاله بدلا من تتقبل و تفهم تخضع للملاحظة فنضرة الغير لاتولد الشعور بالضيق إلا إذا حلت محل تواصل ممكن
وبالمقابل فإن ميرلوبونتي يِؤكد أن وجود الغير يتحقق في ذاته باعتباره جسدا موضوعا وباعتباره أنا واع يتجاوز المعرفة الموضوعية التشييئية إلى تبادل الآخر الاعتراف بكونه أنا له فرديته ووعيه وحريته كيفما كان وجود الغير وتحققه فإن وجود الغير ضروري وحتمي يجعل من العلاقة بينه وبين الأنا علاقة مركبة تستلزم معرفة بالغي
فهل يمكن معرفة الغير؟وإذا أمكن فما نوع المعرفة المتحققة؟
المحور الثاني :العلاقة بالغير
إذا كان ميرلوبونتي في رده عن إشكال معرفة الغير يثبت استحالة معرفته فإنه اعتمادا على تأملاته ودراساته للتحليل النفسي و السيكولوجية يؤكد على أهمية الاعتراف بالغير والحفاظ على خصوصيته كغير مختلف ,مع احتضانه و التعايش معه
فهو حين ينتقد مثال النضرة الذي قدمه سارتر فإنه ينطلق من اعتبار تلك النضرة إقصاء لخصوصية الأنا واعتبارها نضرة مجهريه نلاحظ بها الذات مثلما نلاحظ أفعال الحشرة فالعلاقة المعرفية الموضوعية التشييئية للغير هي نتيجة للنظر إليه من موقع الأنا أفكر أو العقل ونشاطهما القائم على التجريد والتقسيم والحساب و الكم والاستدلال و هذه الوضعية يمكن تجاوزها عندما يدخل الأنا و الغير في علاقة الاعتراف المتبادل فإذا صادفت شخصا لم ينطق بكلمة فإني أعتقد بأنه يعيش في عالم أخر وبمجرد أن ينطق بكلمة حتى ألج المجال الذي يبرز فيه صوته وأفكاره "إن النظرة لا تولد الشعور بالضيق إلا إذا حلت محل تواصل ممكن "
على اعتبار أن اللاتواصل موضوع عن التواصل واللاتعاطف يعلق التواصل و لا ينفيه وبهذا فمرلوبونتي يؤكد على ضرورة فتح قنوات الحوار مع الغير والتواصل معه وعدم اعتباره موضوعا قابلا للإقصاء .
ينطلق هايدجر في تحديده للعلاقة بالغير من اعتباره أن الأنا (الإنسان) يوجد وجودا مشتركا مع الغير وباقي الكائنات الحية الموجودة فهو يوجد في العالم وجودا مع أو أيضا باعتباره ليس وحيدا أي ليس باعتباره وجودا هنا وجودا خاصا ليثبت أن العالم الذي يوجد فيه هو دائما الذي نتقاسمه مع الآخرين فإذا كان الآخرون يختلفون عن الذات الشيء الذي يمكن من إدراك تعارض الغير و تميزه فإنهم في أن الوقت يلتقون انطلاقا من العالم الذي يبقى وفقه الوجود وجودا منشغلا باعتباره لقاء داخل العلم الحيوي دون البحث وراء التفسيرات في بقاء الغير نظريا فالعلاقة بالغير علاقة ملموسة متحققة عبر الالتقاء
أما جوليا كريستيفا تحدد الغريب في مفهومين أساسين ؛ أحدهما ذلك الذي يفيد الافتقار إلى حق المواطنة. وهذه دلالة حقوقية تحاول بها الجماعة أن تمنع انحشار الغير الغريب في شؤونها الداخلية. وهذا في اعتقادها تعريف سطحي للغريب، لأنه هو تلك القوة الخفية التي تسكننا جميعا والتي تعبر عن التناقضات والاختلافات الداخلية التي غالبا ما يتم السكوت عنها، لأن هذا الغريب " يجعل ال"نحن" إشكاليا وربما مستحيلا إ". إن الغريب إذن يوجد فينا، "إن الغريب يسكننا على نحو غريب ".
ومن هذا المنطلق تكون الغرابة شعورا قد يدفع الأنا (الفردية والجماعية) إلى إقصاء الغير أو تدميره أو الشعور بالعدوانية تجاهه أو على الأقل مقابلته باللامبالاة والتهميش... إن الدوافع نحو الغريب هي في الغالب دوافع سلبية... إنها تلك المواجهة الدائمة التي تؤدي إلى إذابة الاختلاف لصالح الذات، وقد كان آخر ما التجأت إليه المجتمعات الغربية في إقصاء الغير هو الاستعمار والاستيعاب الثقافي. هكذا أصبحت "عملة الغيرية" عملة مفقودة. وهذا فيما يرى جيوم وضع لابد من القضاء عليه. حيث لابد أن يعيش كل "كائن مبدأ نقص وعدم كفاية"، لأن الشعور بالنقص يولد بالضرورة "الغيرية الجذرية". فالاحتفاظ بهوية الغير ينعش وعي الذات لنفسها. وهذا يستدعي ـ حسب ليفي ستروس ـ احتفاظ الكل بهويته الثقافية، ويجب القضاء على أسطورة التفوق القومي القائمة على اعتبارات إتنية كالتي نلمسها في بعض الطروحات الإستشراقية (عند إرنست رينان مثلا) أو الأنتروبولوجية (عند ليفي برول
هكذا يتضح أن الغير ضرورة متداخلة وحقيقة الشخص والوعي ولايمكن أن نتصور وجودا تكون فيه الأنا أساس الوضع البشري وإذا انطلقنا من افتراض لو أن الوجود فيه أنا وحدي فإن هذا الافتراض لا محال سيقودني إلى التفكير في جعل الموضوعات غيرا .